Index

Back Top Print

OFFICE FOR THE LITURGICAL CELEBRATIONS
OF THE SUPREME PONTIFF

درب الصليب

Via Crucis 2016 presieduta dal Santo Padre Francesco

[ Arabic, English, French, German, Italian, Portuguese, Slovenian, Spanish]

"الله رحمة"

تأملات

الكاردينال غوالتييرو باسّيتّي

رئيس أساقفة بيروجا


مقدّمة

تَبارَكَ اللّهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيحِ، أَبو الرَّأفَةِ وإِلهُ كُلِّ عَزاء (۲ كور ١، ۳).

 

في هذا اليوبيل الاستثنائي، تجذبنا أيضًا رتبة درب الصليب في يوم جمعة الآلام بقوة مميّزة، قوة رحمة الآب السماوي، الذي يريد أن يفيض علينا جميعًا روح النعمة والعزاء.

الرحمة هي قناة النعمة التي تصل من الله لرجال ونساء اليوم كافة. رجال ونساء غالبًا ما يكونوا ضائعين ومشوّشين، ماديين وعابدي أوثان، فقراء ووحيدين. أعضاء مجتمع يبدو أنّه أزال الخطيئة والحقيقة.

"فينظرونَ إلى الذي طعَنوهُ" (زك ۱۲، ۱۰): إن كلمات النبي زكريا تتحقق هذا المساء فينا أيضًا! سيرتفع النظر عن بؤسنا اللامتناهي ليحدّق إليه، المسيح الرب، الحب الرحيم. سنتمكن عندها من رؤية وجهه وسماع كلماته: "أحببتُك، حبًّا أبديًّا" (إر ۳۱، ۳). هو بمغفرته يمحو خطايانا ويفتح لنا مسيرة القداسة التي سنعانق معه صليبنا عليها محبّة بالإخوة. إن الينبوع الذي غسل خطيئتنا سيُصبح فينا: "عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَديَّة" (يو ٤، ١٤).

 

وقفة صمت قصيرة

 

لنصلِّ

 

أيها الآب الأزلي،

من خلال آلام ابنك الحبيب،

أردت أن تُظهر لنا قلبك وتعطينا رحمتك.

وإذ نتّحد بأمّه وأمنا اجعلنا نعرف

كيف نستقبل دائمًا عطيّة الحبِّ ونحافظ عليها.

لترفع لك أمّ الرحمة

الصلوات التي نرفعها إليك من أجلنا ومن أجل البشريّة بأسرها،

لكي تطال نعمة رتبة درب الصليب هذه كل قلب بشريّ

ولينبعث فينا رجاء جديدًا

ذلك الرجاء التام

الذي يُشعُّ من صليب يسوع،

الذي يحيا ويملك معك

بوحدة الروح القدس،

إلى دهر الداهرين. آمين.

المرحلة الأولى

لنتأمل يسوع محكومًا عليه بالموت

 

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس مرقس (۱٥، ۱٤- ۱٥)

فقالَ لَهم بيلاطُس: "فما الَّذي فعَلَ مِنَ الشَّرّ؟" فازدادوا صِياحاً: "اِصلِبْه!" وأَرادَ بيلاطُسُ أَن يُرضِيَ الجَمْع فأَطلَقَ لَهم بَرأَبَّا، وبَعدَ ما جَلَدَ يسوع أَسلَمَه لِيُصلَب.

 

يسوع وحده أمام سلطة هذا العالم؛ يُخضِع نفسَّه حتى النهاية لعدالة البشر. بيلاطس يجد نفسه أمام سرّ يعجز عن فهمه. يسأل نفسه ويطلب تفاسير وشروحات. يبحث عن حلٍّ وربما يصل إلى عتبة الحقيقة، لكنّه يختار ألا يعبرها، وبين الحياة والحقيقة يختار حياته، وبين الحاضر والأبديّة، يختار الحاضر.

إن الجمع يختار برأبّا ويترك يسوع. الجمع يريد العدالة على الأرض ويختار مُنفِّذ الحُكم: ذاك الذي بإمكانه أن يحررهم من الاضطهاد ونير العبوديّة. لكن عدالة يسوع لا تتحقق بواسطة ثورة: تمرُّ عبر عار الصليب. يسوع يقلب كل مخطّط للتحرير لأنّه يأخذ شرّ العالم على عاتقه ولا يجيب على الشرِّ بالشرّ. وهذا الأمر لا يمكن للبشر أن يفهموه. لا يفهمون أنه من فشل الإنسان يمكن أن تأتي عدالة الله.

كل فرد منا هو جزء من ذاك الجمع الصارخ: "اصلبه!". لا يمكن لأحد أن يشعر بأنّه مُستبعد. في الواقع، يسيطر على الجمع وعلى بيلاطس شعور داخليّ يجعل جميع البشر متساوين: الخوف. الخوف من فقدان ضماناتهم وخيورهم وحياتهم. لكن يسوع يدلنا إلى درب آخر.

 

أيها الرب يسوع،

كم نشعر أننا شبيهون بهؤلاء الأشخاص

وما أكبر الخوف الموجود في حياتنا!

نحن نخاف من المختلف، من الغريب ومن المهاجر

نخاف من المستقبل وغير المتوقّع والبؤس.

ما أكبر الخوف في عائلاتنا، في أماكن عملنا ومدننا...

وربما نخاف أيضًا من الله: ذاك الخوف من الحكم الإلهي والذي يولد من قلّة الإيمان وعدم معرفة قلبه والشك برحمته.

أيها الرب يسوع، يا من حكم عليه خوف البشر، حرّرنا من الخوف من حُكمك

لا تسمح لصرخة حزننا أن تمنعنا من سماع قوّة دعوتك العذبة: "لا تخافوا!"

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

كانتِ الأمُّ الوجيعة

والدُّموعْ منها سَريعة

واقفة تحتَ الصَّليب

المرحلة الثانية

لنتأمل يسوع حاملاً صليبه على منكبيه

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس مرقس (١٥، ۲۰)

وبَعدَ ما سَخِروا مِنهُ نَزَعوا عنه الأُرجُوان، وأَلبَسوه ثيابَه وخَرَجوا به لِيَصلِبوه.

 

أصدر الخوف الحكم، ولكن لا يمكنه أن يظهر نفسه ويختبئ خلف مواقف العالم: احتقار وازدراء، عنف وسخرية. والآن أُلبس يسوع ثيابه وبشريّته المتألّمة والدامية بدون أي "أرجوان" أو أي علامة لألوهيّته. وهكذا قدّمه بيلاطس: "ها هُوَذا الرَّجُل!" (يو ١۹، ٥).

 

هذا هو الشرط لكل من يتبع المسيح. المسيحي لا يبحث عن تصفيق العالم أو عن إجماع الحشود في الساحات. المسيحي لا يتملّق ولا يكذب ليكسب السلطة. المسيحي يقبل الاحتقار والازدراء المتأتّيين من محبّة الحقيقة.

"ما هو الحَقّ؟" (يو ١۸، ۳۸) سأل بيلاطس يسوع. هذا هو سؤال كل زمن. إنه سؤال اليوم. هذه هي الحقيقة: حقيقة ابن الله الذي تنبَّأ عنه الأنبياء (را. أش ٥۳، ١- ١۲)، وجه بشريٌّ مشوّه يُظهر أمانة الله.

لكن غالبًا ما نذهب للبحث عن حقيقة بأي ثمن، تُناسب حياتنا وتجيب على قلقنا أو تلبّي مصالحنا الخسيسة. بهذا الشكل، ننتهي بالقبول بحقائق جزئيّة أو ظاهريّة، وبالسماح لأن يخدعنا "أنبياء يعلنون الأسوأ على الدوام" (القديس يوحنا الثالث والعشرون) أو زمّارين بارعين يخدّرون قلوبنا بموسيقى مُقنعة تُبعدنا عن محبّة المسيح.

 

كلمة الله صار بشرًا،

جاء ليخبرنا الحقيقة الكاملة حول الله والإنسان.

الله الذي يحمل الصليب على كتفيه (را. يو ۱۹، ١۷)

ويسير في درب بذل الذات الرحيم.

والإنسان الذي يتحقق في الحقيقة هو الذي يتبعه في هذا الدرب عينه.

أيها الرب يسوع، أعطنا أن نتأمّلك في الظهور الإلهي على الصليب، والنقطة الأسمى في وحيك، ونعترف بملامح وجهنا أيضًا في بهاء وجهك السرّي.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

نفسُها تلكَ الحزينَة

في توجُّعِها كمينَةْ

صابَها سَيفٌ مُريبْ

المرحلة الثالثة

لنتأمل يسوع واقعًا تحت الصليب مرة أولى

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

قراءة من سفر النبي أشعيا (٥۳، ٤.۷)

حمَلَ عاهاتِنا وتحَمَّلَ أوجاعَنا، حَسِبناهُ مُصابًا مَضروبًا مِنَ اللهِ ومَنكوبًا. ظُلِمَ وهوَ خاضِعٌ وما فتَحَ فمَهُ. كانَ كنَعجةٍ تُساقُ إلى الذَّبحِ، وكخروفٍ صامتٍ أمامَ الذينَ يَجزُّونَهُ لم يفتَحْ فمَهُ.

 

يسوع هو الحمل، الذي تنبّأ عنه النبي، والذي حمل على كتفيه خطيئة البشريّة بأسرها. لقد حمل ضعف المحبوب أوجاعه وجرائمه، شروره ولعناته. لقد وصلنا إلى النقطة النهائيّة لتجسّد الكلمة. ولكن هناك نقطة أدنى: يسوع يقع تحت ثقل هذا الصليب. إله يقع!

في هذه السقطة نجد يسوع الذي يعطي معنى لألم البشر. إن الألم بالنسبة للإنسان هو أحيانًا دليل للموت يصعب على العقل فهمه. هناك أوضاع ألم يبدو أنها تنفي محبة الله. أين الله في مخيمات الإبادة؟ أين الله في المناجم والمصانع التي يعمل فيها الأطفال كعبيد؟ أين الله في الزوارق التي تغرق في البحر المتوسّط؟

يسوع يقع تحت ثقل الصليب ولكّنه لا يسحقه. ها هو المسيح هناك. مقصي بين المقصيين. أخير بين الأخيرين. غريق بين الغرقى.

الله يأخذ هذا كلّه على عاتقه. إله تخلى عن إظهار قدرته من أجل الحب. ولكن ومع ذلك وبالرغم من وقوعه على الأرض كحبة حنطة، يبقى الله أمينًا لنفسه: أمينًا في المحبّة.

 

نرفع صلاتنا إليك يا رب،

من أجل جميع ظروف الألم هذه التي تبدو بلا معنى،

من أجل اليهود الذين ماتوا في مخيمات الإبادة،

من أجل المسيحيين الذين قُتلوا بسبب الإيمان،

من أجل ضحايا جميع الاضطهادات

من أجل الأطفال الذين يُستعبدون في العمل،

من أجل الأبرياء الذين يموتون في الحروب،

إجعلنا يا رب نفهم مدى الحريّة والقوة الداخليّة الموجودتين في هذا الوحي المبدع لألوهيّتك: البشريّة لدرجة أنها وقعت تحت صليب خطايا الإنسان والرحيمة بشكل إلهيّ لدرجة التغلّب على الشرّ الذي كان يثقل كاهلنا.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

يا لأوجاعٍ مَهولَة

صادَفَتْ تِلكَ البَتولَة

أمُّ فادينا الحبيب

المرحلة الرابعة

لنتأمل يسوع ملتقيًا بأُمّهِ الحزينة

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس لوقا (۲، ۳٤-۳٥. ٥۱)

وبارَكَهما سِمعان، ثُمَّ قالَ لِمَريَمَ أُمِّه: "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة". وكانَت أُمُّه تَحفُظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّها في قَلبِها.

 

لقد أراد الله أن تأتي الحياة إلى العالم من خلال آلام المخاض: من خلال آلام أمٍّ تعطي الحياة للعالم. الجميع بحاجة لأُم، حتى الله. "الكلمة صار جسد" (يو ۱، ۱٤) في حشا عذراء. فمريم قد قبلته، ولدته في بيت لحم ولفّته بالأقماط، وحرسته وربّته بدفء حبّها، ووصلت معه إلى "ساعته".

والآن، عند أقدام الجُلجلة، تتمُّ نبوءة سمعان: ينفذ سيف في نفسها. مريم ترى ابنها مجدّدًا، مشوّهًا ومنهكًا تحت ثقل الصليب. عينان تتألّمان، عينا الأم التي تشارك حتى النهاية في ألم الابن، لكنهما أيضًا عينان مليئتان بالرجاء ولم تكفا – منذ اليوم الذي أجابت فيه بالـ "نعم" على بشارة الملاك (را. لو ۱،۲٦-۳۸) – عن عكس ذاك النور الإلهي الذي يُشع أيضًا في يوم الألم هذا.

مريم هي خطيبة يوسف وأمّ يسوع. اليوم كالأمس تبقى العائلة قلب المجتمع النابض؛ خليّة الحياة المشتركة غير القابلة للمساومة؛ ركيزة العلاقات البشرية التي لا يمكن استبدالها، حب أبديّ سيخلّص العالم.

مريم هي امرأة وأم. عبقريّة نسائيّة وحنان. حكمة ومحبّة. مريم كأم للجميع "هي علامة رجاء للشعوب التي تتوجّع بآلام المخاض" إنها "المرسلة التي تقترب منا لترافقنا في الحياة" و"كأُمٍّ حقيقيّة تسير معنا وتحارب معنا وتفيض علينا قرب الله باستمرار" (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، ۲۸٦).

 

يا مريم، أم الرب،

أنت التي كنت لابنك الإلهيّ أول انعكاس لرحمة أبيه،

تلك الرحمة التي سألتِهِ أن يُظهرها في قانا.

والآن وإذ يُظهر لنا ابنك وجه الآب حتى أقصى تبعات الحب،

تسيرين بصمت على خطاه كأول تلميذة للصليب.

يا مريم، العذراء الأمينة،

اهتمّي بجميع الأيتام على الأرض،

احمي جميع النساء اللواتي يتعرّضن للاستغلال والعنف.

أقيمي نساء شجاعات من أجل خير الكنيسة.

ألهمي كل أمٍّ على تربية أبنائها في حنان محبّة الله،

وعند ساعة التجربة على مرافقة مسيرتهم بقوّة إيمانها الصامتة.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

 

كابدَتِ المَوتَ مُرًّا

قد أهالَ القلبَ جَهْرًا

مِن جَرى الابنِ الحبيبْ

المرحلة الخامسة

لنتأمل يسوع يُعينُه سمعان القيرواني في حمل الصليب

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس مرقس (۱٥،۲۱-۲۲)

وسَخَرُّوا لِحَمْلِ صَليبِه أَحدَ المارَّةِ سِمْعانَ القيرنييّ أَبا الإِسكَندَرِ وَروفُس، وكانَ آتِياً مِنَ الرِّيف. وساروا بِه إِلى المَكانِ المَعروفِ بِالجُلْجُثة، أَي مَكانِ الجُمْجُمَة.

 

يظهر في تاريخ الخلاص رجل مجهول. سمعان القيرواني، عامل كان عائدًا من الحقول، أُجبِر على حمل الصليب. ولكن وفيه أولاً تعمل نعمة محبّة المسيح التي تمرُّ من خلال ذاك الصليب. وسمعان الذي أُجبر على حمل ثقل مُكرهًا، يُصبح تلميذًا للرب.

عندما يقرع الألم على بابنا لا نكون أبدًا في انتظاره. يبدو دائمًا أنّه أمر مفروض، وأحيانًا وكأنّه ظلم. ويمكنه أن يجدنا غير مستعدين بشكل مأساوي. يمكن لمرض أن يدمّر مخططات حياتنا. يمكن لطفل معاق أن يقلق أحلام أمومة منشودة. ولكن تلك المحنة غير المرغوبة تقرع بقوّة على قلب الإنسان. كيف نتصرّف إزاء ألم شخص نحبّه؟ ما مدى تنبّهنا لصرخة المتألّم الذي يعيش بعيدًا عنّا؟

يساعدنا القيرواني على الدخول في هشاشة النفس البشريّة ويسلّط الضوء على جانب آخر من بشريّة يسوع. حتى ابن الله احتاج لمن يساعده على حمل الصليب. من هو القيروانيّ إذًا؟ إنها رحمة الله التي تحضر في تاريخ البشر. الله يلتزم معنا ويأخذ على عاتقه خطايانا وضعفنا، لا يخجل بها ولا يتركنا.

 

أيها الرب يسوع،

نشكرك على هذه العطيّة التي تفوق كلّ الإنتظارات وتُظهر لنا رحمتك.

أنت أحببتنا ليس لدرجة أنك أعطيتنا الخلاص وحسب وإنما لدرجة أنك جعلتنا أيضًا أدوات خلاص. وبينما يعطي صليبك معنى لكل صليب من صلباننا، تُعطى لنا نعمة الحياة الأسمى: أن نشارك بشكل فعّال في سر الفداء، ونكون أدوات خلاص لإخوتنا.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

أيُّ قلبٍ ليسَ يَبكي

إذْ يَرى العذراءَ تَشكي

حُزنَ أحشاها المُذيبْ

المرحلة السادسة

لنتأمل يسوع لما مسحت وجهه القديسة فيرونيكا

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

قراءة من سفر النبي أشعيا (٥۳،۲-۳)

لا شَكلَ لَه فنَنظُرَ إلَيهِ، ولا بَهاءَ ولا جمالَ فنَشتَهيَهُ. مُحتَقَرٌ مَنبوذٌ مِنَ النَّاسِ، ومُوجعٌ مُتَمرِّسٌ بالحزنِ. ومِثلُ مَنْ تُحجبُ عَنهُ الوُجوهُ نَبَذْناهُ وما اَعتَبَرناهُ.

 

بين اِضْطِرَاب الجمع الذي كان يشاهد صعود يسوع إلى الجلجلة، تظهر فيرونيكا، امرأة بدون وجه أو تاريخ. ومع ذلك هي امرأة شجاعة، مستعدّة للإصغاء للروح وإتباع إلهاماته، قادرة على الاعتراف بمجد ابن الله في وجه يسوع المشوّه، وفهم الدعوة التي يدعونا إليها: "يا عابِري الطَّريقِ، انظُروا أنتُم وتَأمَّلوا هل مِنْ كآبةٍ ككَآبَتي" (مرا ۱،۱۲).

إن المحبّة التي تجسّدها هذه المرأة تتركنا بلا كلمات. فالمحبة تجعلها قويّة لتتحدى الحراس، وتتخطى الجمع وتقترب من الرب وتقوم ببادرة شفقة وإيمان: تُوقف دم الجراح وتمسح دموع الألم وتتأمّل بالوجه المشوّه الذي خلفه يختبئ وجه الله.

نحن نميل بطبيعتنا للهروب من الألم، لأن الألم يسبب لنا الفزع. كم من الوجوه المشوّهة بسبب مصائب الحياة التي تواجهنا وغالبًا ما نميل نظرنا إلى الجهة الأخرى. كيف لا نرى وجه الرب في وجه الملايين من النازحين واللاجئين والمهجّرين الذين يهربون من رعب الحروب والاضطهادات والديكتاتوريات؟ من أجل كل واحد منهم، بوجهه الفريد، يظهر الله على الدوام كمنقذٍ شجاع. كفيرونيكا، المرأة المجهولة الوجه، التي مسحت بمحبّة وجه يسوع.

 

"وجهك يا رب ألتمس" (مز۲٦، ۸).

ساعدني لأجده في الإخوة الذين يسيرون فوق درب الألم والاحتقار.

إجعلني أعرف كيف أمسح دموع ودم مغلوبي كل زمن،

والذين يقصيهم المجتمع الغني والرغيد بدون أي تردّد.

إجعلني أرى خلف كل وجه، حتى وجه الإنسان المتروك، وجهك وجه: الجمال اللامتناهي.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

مَنْ يُطيق مُرَّ التَّفكُّرْ

 أو بآلامِها التَّذكُّرْ

حينَ لاقاها الحبيبْ

المرحلة السابعة

لنتأمل يسوع واقعًا تحت الصليب مرة ثانية

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

قراءة من سفر النبي أشعيا (٥۳، ٥)

وهوَ مَجروحٌ لأجلِ مَعاصينا، مَسحوقٌ لأجلِ خطايانا. سلامُنا أعَدَّهُ لنا، وبِجراحِهِ شُفينا.

 

يسوع يقع مجدّدًا. يسحقه ثقل الصليب ولكنه لا يقتله. مرّة أخرى يكشف عن بشريّته. إنها خبرة تصل إلى حدِّ الضُعف والخجل أمام الذي يستهزئ به، والإذلال أمام الذي كان قد وضع فيه رجاءه. لا أحد يريد أبدًا أن يقع أرضًا ويختبر الفشل؛ لا سيما أمام الآخرين.

غالبًا ما يثور البشر على فكرة عدم الحصول على السلطة وعدم القدرة على المضي قدمًا بحياتهم. أما يسوع فيجسّد "سلطة من لا سلطة له"؛ يختبر عذاب الصليب وقوّة الإيمان المُخلِّصة. وحده الله بإمكانه أن يخلِّصنا. وحده بإمكانه أن يحول علامة موت إلى صليب مجيد.

إذا كان يسوع قد وقع على الأرض مرة ثانية بسبب ثقل خطيئتنا، فلنقبل إذًا نحن أيضًا بأن نقع ولنقبل بسقوطنا وبسقوطنا مُجدّدًا بسبب خطايانا؛ ولنعترف أننا لا يمكننا أن نُخلّص أنفسنا بقوانا وحسب.

 

أيها الرب يسوع، يا من قبلت ذلّ الوقوع مجدّدًا تحت أعيُن الجميع،

لا نريد فقط أن نتأمّلك فيما أنت واقع على التراب،

وإنما أن نحدق فيك نظرنا،

من الوضعيّة عينها، نحن على الأرض أيضًا، سقطنا بسبب ضعفنا.

أعطنا أن ندرك خطيئتنا،

وتلك الرغبة بالنهوض مجددًا التي تولد من الألم.

أعط كنيستك بأسرها الإدراك بالألم،

وقدّم لخدمة المصالحة بشكل خاص عطيّة الدموع على خطيئتهم.

إذ كيف يمكنهم أن يطلبوا رحمتك على أنفسهم وعلى الآخرين إن لم يعرفوا أولاً أن يبكوا على ذنوبهم؟

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

مِنْ مَعاصي الشَّعبِ تَلقى

بالعَذاب يسوعَ مُلقى

مُحتمِلاً جَلْدًا مُذيبْ

المرحلة الثامنة

لنتأمل يسوع يعزّي بنات أورشليم

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس لوقا (۲۳،۲۷-۲۸)

وتَبِعَه جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضربنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه. فالتَفَتَ يَسوعُ إِليهِنَّ فقال: "يا بَناتِ أُورَشَليمَ، لا تَبكِينَ عَليَّ، بلِ ابكِينَ على أَنفُسِكُنَّ وعلى أَولادِكُنَّ".

 

قد تمزّق يسوع أيضًا من الألم ويبحث عن ملجأ في الآب، يشفق على الشعب الذي تبعه ويتوجّه مباشرة إلى النساء اللواتي يرافقنه على درب الجلجلة. ودعوته هي نداء قوي للتوبة.

لا تبكين عليَّ، يقول الناصري، لأنني أُتمِّم مشيئة الآب، بل ابكين على أنفسكنَّ من أجل المرات العديدة التي تتمِّمنَ فيها مشيئة الله.

إنه حمل الله الذي يتكلّم وإذ يحمل على كتفيه خطيئة العالم، يُطهِّر نظر هذه البنات الموجّه إليه وإنما بشكل غير كامل. "ماذا نَعمَل؟" يبدو أن هذا هو السؤال الذي يطرحه بكاء هذه النساء أمام البريء. إنه السؤال عينه الذي وجّهه الجموع للمعمدان (را. لو ۳، ۱۰) والذي سيكرّره من ثَمَّ الذين سمعوا كلام بطرس بعد العنصرة وتفطّرت قلوبهم: "ماذا نَعمَل؟" (أع ۲،۳۷).

الجواب بسيط وواضح: "توبوا". توبة شخصيّة وجماعيّة: "ليُصَلِّ بَعضُكم لِبَعضٍ كَي تُشفَوا" (يع ٥،۱٦). لا وجود لتوبة بدون المحبة؛ والمحبة هي الأسلوب لنكون كنيسة.

 

أيها الرب يسوع،

لتعضُد نعمتك مسيرتنا للتوبة كي نعود إليك،

في شركة مع إخوتنا،

نحو الذين نطلب منك أن تعطينا ذات أحشاء رحمتك،

أحشاء والديّة تجعلنا قادرين على الشعور بالحنان والشفقة تجاه بعضنا البعض،

فنبلغ أيضًا إلى بذل ذواتنا من أجل خلاص القريب.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

يا أمَّ ينبوعِ المحبَّة

إمنَحيني منكِ هبَةْ

التَّوجُّعْ والنَّحيبْ

المرحلة التاسعة

لنتأمل يسوع واقعًا تحت الصليب مرة ثالثة

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من رسالة القديس بولس إلى أهل فيليبي (۲،٦-۷)

هو الَّذي في صُورةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة، بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان.

 

يسوع يقع تحت الصليب للمرّة الثالثة. يختبر ابن الله الحالة البشريّة حتى النهاية. بهذه السقطة يدخل مجددًا وبشكل ثابت في تاريخ البشريّة. ويرافق في كل لحظة البشريّة المتألّمة. "هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم" (متى ۲۸، ۲۰).

كم من مرّة يقع الرجال والنساء على الأرض! كم من مرّة يتألّم الرجال والنساء والأطفال بسبب عائلة مفتّتة! كم من مرّة يفكر الرجال والنساء بأنهم لا يملكون كرامة لأنّهم بدون عمل! كم من مرّة يجبر الشباب على عيش حياة غير مستقرة ويفقدون الرجاء بالمستقبل!

إن الإنسان الذي يقع ويتأمّل الله الذي يقع، هو الإنسان الذي يمكنه أن يعترف أخيرًا بضعفه وعجزه بدون خوف ويأس لأن الله أيضًا قد اختبرهما في ابنه. برحمة منه تنازل الله إلى درجة الرقود على التراب. تراب مبلّل بعرق آدم ودم يسوع وجميع شهداء التاريخ؛ تراب مبارك بدموع العديد من الإخوة الذين سقطوا بسبب عنف واستغلال الإنسان للإنسان. لهذا التراب المبارك، المهان والمنتهك والمستغلّ من قبل الأنانيّة البشريّة، حفظ الرب عناقه الأخير.

 

أيها الرب يسوع،

بانحنائك على هذه الأرض القاحلة،

أنت قريب من جميع البشر الذين يتألّمون

وتفيض في قلوبهم القوّة لينهضوا مجدّدًا.

أسألك يا إله الرحمة،

من أجل جميع الذين يرزحون أرضًا لأسباب عديدة:

خطايا شخصيّة، زيجات فاشلة، وحدة،

فقدان العمل، مأساة عائليّة، قلق إزاء المستقبل.

إجعلهم يشعرون أنّك لست بعيدًا عن كل فرد منهم،

لأنّ الأقرب إليك، أنت الرحمة المتجسّدة،

هو الإنسان الأكثر حاجة للمغفرة

والذي يستمرّ راجيًا على غير رجاء!

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

إمنَحي نارًا لِقلبي

يَشتعِلْ بِيَسوعَ ربّي

صاحبِ الحُبِّ العَجيبْ

 

المرحلة العاشرة

لنتأمل يسوع عندما عُرّي من ثيابه

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس مرقس (۱٥،۲٤)

ثُمَّ صَلَبوه وَاقتَسَموا ثِيابَه، مُقتَرِعينَ علَيها لِيَعرِفوا ما يأخُذُ كُلٌّ مِنهم.

 

عند أقدام الصليب، تحت المصلوب واللصين المتألِّمَين، هناك جنود يتقاسمون ثياب يسوع. إنها تفاهة الشرّ.

إنَّ نظرَ الجنود بعيد عن ذلك الألم وعن القصة التي تحيط بهم. يبدو أن الذي يحصل لا يعنيهم. وبينما يتعرّض ابن الله لعذابات الصليب، يتابعون بلا توجس حياة تتغلّب فيها الشهوات على كل شيء. هذه هي مفارقة الحرية التي منحها الله لأبنائه. فأمام موت يسوع يمكن لكل إنسان أن يختار: التأمّل بالمسيح أو "القُرْعة".

إن المسافة التي تفصل بين المصلوب وصالبيه لكبيرة جدًّا. والاهتمام البائس بالثياب لا يسمح لهم بفهم معنى ذاك الجسد الأعزل والمحتقر، الذي تعرّض للاستهزاء والظلم، والذي تتحقّق فيه المشيئة الإلهية بخلاص البشريّة بأسرها.

ذاك الجسد الذي "أعدَّه" الآب للابن (را. مز ٤۰،۷؛ عب ۱۰،٥) يُعبِّر الآن عن محبّة الابن تجاه الآب وعطيّة يسوع الكاملة للبشر. ذاك الجسد الذي جُرِّد من كلَّ شيء إلا من الحب الذي يحتوي في داخله ألم البشريّة الكبير ويخبر عن جميع جراحه لا سيما تلك الأشد ألمًا: جراح الأطفال الذين يُدنَّسون في حميميَّتهم.

ذاك الجسد الصامت والدامي، المجلود والمُهان يشير إلى درب العدالة. عدالة الله التي تحوّل الألم الأشد وحشيّة إلى نور القيامة.

 

أيها الرب يسوع،

أريد أن أقدّم لك البشريّة المتألِّمَة بأسرها.

أجساد الرجال والنساء، الأطفال والمسنّين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يتم احترامهم في كرامتهم. كم من العنف عبر تاريخ هذه البشريّة قد ضرب أكثر ما هو خاص بالإنسان، شيئًا مقدّسًا ومباركًا لأنّه يأتي من الله.

نرفع صلاتنا إليك أيها الرب من أجل من انتُهِك في حميميّته.

من أجل من لا يفهم سرّ جسده، ومن أجل من لا يقبله أو يشوّه جماله،

من أجل من لا يحترم ضعف وقداسة الجسد الذي يشيخ ويموت.

والذي سيقوم يومًا ما!

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

إجعَلي أمّي الحنونَة

الجراحاتِ الثَّمينَةْ

قلبَنا القاسي تُصيبْ

المرحلة الحادية عشرة

لنتأمل يسوع مسمَّرًا على الصليب

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس لوقا (۲۳،۳۹-٤۳)

وأَخَذَ أَحَدُ المُجرمَينِ المُعَلَّقَينِ على الصَّليبِ يَشتُمُه فيَقول: "أَلستَ المَسيح؟ فخَلِّصْ نَفْسَكَ وخَلِّصْنا!" فانتَهَرَه الآخَرُ قال: "أَوَما تَخافُ الله وأَنتَ تُعاني العِقابَ نَفْسَه! أَمَّا نَحنُ فعِقابُنا عَدْل، لأنَّنا نَلْقى ما تَستوجِبُه أَعمْالُنا. أَمَّا هو فلَم يَعمَلْ سُوءًا. ثُمَّ قال: "أُذكُرْني يا يسوع إِذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ". فقالَ له: "الحَقَّ أَقولُ لَكَ: سَتكونُ اليَومَ مَعي في الفِردَوس".

 

يسوع على الصليب، "الشجرة الخصبة والمجيدة"، "الإناء والعرش والمذبح" (النشيد الليتورجي "هوذا عود الصليب"). ومن أعلى هذا العرش، النقطة التي تجذب الكون بأسره (را. يو ۱۲،۳۲)، يغفر لصالبيه "لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون" (لو ۲۳،۳٤). على صليب المسيح "ميزان الفداء الكبير" (النشيد الليتورجي "هوذا عود الصليب")، تشع قدرة تتخلى عن ذاتها، وحكمة تتنازل حتى الجنون، وحبًّا يقدّم ذاته ذبيحة.

على يمين يسوع ويساره هناك لصان وربما مجرمان. هذان اللصان يتحدثان إلى قلب كل إنسان لأنّهما يشيران إلى أسلوبين مختلفين لعيش الصليب: الأوّل يلعن الله؛ والثاني يعترف بالله على ذاك الصليب. اللص الأول يقترح الحلّ الأنسب للجميع، يقترح خلاصًا بشريًّا ونظره موجّه نحو الأسفل. فالخلاص بالنسبة له يعني الهروب من الصليب وإزالة الألم. إنه منطق ثقافة الإقصاء. يطلب من الله أن يزيل كل ما ليس مفيدًا ولا يستحق أن يعاش.

أما اللص الثاني فلا يُفاوض على حل. يقترح خلاصًا إلهيًّا ونظره موجّهًا نحو السماء. فالخلاص بالنسبة له يعني قبول مشيئة الله حتى في الأوضاع السيئة. إنه انتصار ثقافة المحبّة والمغفرة. إنه جنون الصليب الذي تتلاشى أمامه كل حكمة بشريّة وتصمت.

 

أعطني أيها المصلوب، بفيض محبّتك،

مغفرتك التي تنسى ورحمتك التي تخلق مجدّدًا.

اجعلني أختبر في كل اعتراف،

النعمة التي خلَقَتني على صورتك ومثالك

وتخلقني مجدّدًا في كل مرّة أضع حياتي

بكل شقائها بين يديّ الآب الرحيمة.

ليتردَّد صدى مغفرتك لي كيقين للحب الذي يخلّصني،

يجعلني جديدًا ويجعلني أُقيم معك على الدوام.

فسأكون عندها حقًا لصًا مُخلَّصًا

وكل مغفرة منك ستكون تذوُّقًا للفردوس منذ اليوم.

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

ابنُكِ مَجروحْ مُؤلَّمْ

وهو مِن أجلي تألَّمْ

أعطيني مِنهُ نَصيبْ

المرحلة الثانية عشرة

لنتأمل يسوع مائتًا على الصليب

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح للقديس مرقس (۱٥،۳۳-۳۹)

ولَمَّا كانَ الظُّهرُ خَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى السَّاعةِ الثَّالِثَة. وفي السَّاعةِ الثَّالِثَة صَرَخَ يسوعُ صَرخَةً شديدة، قال: "أَلُوي أَلُوي، لَمَّا شَبَقْتاني؟" أَي: إِلهي إِلهي، لِمَاذا تَركتَني؟ فسَمِعَ بَعضُ الحاضرينَ فقالوا: "ها إِنَّه يَدعو إِيلِيَّا!" فأَسرَعَ بَعضُهم إِلى إِسفَنجَةٍ وبلَّلَها بِالخَلّ وجَعَلَها على طَرَفِ قَصَبَة وسَقاه، وهو يقول: "دَعُونا نَنْظُر هل يَأتي إِيلِيَّا فيُنزِلَه". وصَرخَ يسوعُ صَرخَةً شَديدة وَلفَظَ الرَّوح. فَانشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ شَطْرَيْنِ مِن الأَعلى إِلى الأَسْفَل. فلَمَّا رأَى قائِدُ المِائَةِ الواقِفُ تُجاهَهُ أَنَّه لَفَظَ الرُّوحَ هكذا، قال: "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!"

 

ظلام عند الظهر: يحصل شيء لم يُسمع به من قبل وغير متوقّع على الأرض، ولكنّه لا ينتمي فقط للأرض. الإنسان يقتل الله! ابن الله قد صُلِب كلص.

يسوع يتوجّه إلى الآب ويصرخ الكلمات الأولى من المزمور الثاني والعشرين. إنها صرخة الألم واليأس، وإنما هي أيضًا صرخة "الثقة التامة بالنصر الإلهي" و"اليقين بالمجد" (بندكتس السادس عشر، تعليم، ۱٤ سبتمبر / أيلول ۲۰۱۱).

إن صرخة يسوع هي صرخة كل مصلوب في التاريخ، صرخة المتروك والمهان، الشهيد والنبيّ، المُفترى عليه والمحكوم ظلمًا، المنفي أو المسجون. إنها صرخة اليأس البشري التي تؤدّي إلى انتصار الإيمان الذي يحوِّل الموت إلى حياة أبديّة. "سأُخبِرُ باَسمِكَ إخوتي، وبَينَ الجماعةِ أهلِّلُ لكَ" (مز۲۲،۲۳).

يسوع يموت على الصليب. هل هو موت الله؟ لا إنه الاحتفال بأسمى شهادة للإيمان. إن القرن العشرين قد حُدِّد كقرن الشهداء. إن مثليّ ماسيمليانو كولبي وإيديت شتاين يعبِّران عن نور عظيم. ولكن جسد المسيح لا يزال مصلوبًا اليوم أيضًا في نواح عديدة من الأرض. إن شهداء القرن الحادي والعشرين هم الرسل الحقيقيون للعالم المعاصر.

في الظلام الكبير يشتعل الإيمان: "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!"، لأن الذي يموت هكذا، محولاً يأس الموت إلى رجاء حياة، لا يمكنه أن يكون مجرّد إنسان.

 

المصلوب هو التقدمة الكاملة.

لم يحتفِظ بشيء لنفسه، ولا حتى بقطعة ثياب أو بنقطة دم أو بأم.

لقد أعطى كل شيء: "لقد تمّ".

عندما لا يعود هناك شيء نعطيه، لأننا أعطينا كل شيء،

عندئذ نصبح قادرين على منح عطايا حقيقيّة.

مجرد من كل شيء، عريان تلتهمه الجراح وعطش الهجر والإساءات:

لم يعد هناك صورة إنسان.

إعطاء كل شيء: هذه هي المحبة.

حيث ينتهي ما هو لي، يبدأ الفردوس.

(الأب بريمو مازولاري)

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

وتَرى المَولودَ منها

مائِتًا مَفروقًا عنها

مُرتفِعًا فَوقَ الصَّليبْ

المرحلة الثالثة عشرة

لنتأمل يسوع مُنزَلاً عن الصليب

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس مرقس (۱٥،٤۲-٤۳.٤٦)

وكانَ المساءُ قد أَقبَلَ، ولمَّا كانَ ذلك اليَومُ يَومَ التَّهِيئَة، أَي الَّذي قَبلَ السَّبت، جاءَ يوسُفُ الرَّامي، وهو عُضوٌ وَجيهٌ في المَجلِس، وكانَ هو أَيضاً يَنتَظِرُ مَلكوتَ الله، فَحَمَلته الجُرأَةُ على أَن يَدخُلَ إِلى بيلاطس ويَطلُبَ جُثمانَ يسوع. فاشتَرى يوسُفُ كَتَّاناً ثُمَّ أَنزَلَ يسوعَ عَنِ الصَّليب.

 

يوسف الرامي يستقبل يسوع حتى قبل أن يرى مجده. يقبله مُنهزِمًا، كلصٍ وكمرذولٍ. يطلب جثمانه من بيلاطس كي لا يسمح بأن يُرمى في المقبرة الجماعيّة. يوسف يُخاطر بسمعته وربما أيضًا بحياته كطوبيا (را. طو ۱،۱٥-۲۰). لكن شجاعة يوسف ليست بسالة الأبطال في المعركة؛ شجاعة يوسف هي شجاعة قوة الإيمان. إيمان يصبح استقبالاً ومجانية وحبًّا، بكلمة واحدة: محبّة.

إن الصمت والبساطة والرصانة التي اقترب فيها يوسف من جسد يسوع تتناقض مع عظمة وتفاهة وفخامة جنازات مقتدري هذا العالم. فشهادة يوسف تذكّر بجميع أولئك المسيحيين الذين يخاطرون بحياتهم اليوم أيضًا من أجل جنازة ما.

من كان بإمكانه أن يستقبل جسد يسوع المائت إلا تلك التي أعطته الحياة؟ يمكننا أن نتصوّر مشاعر مريم التي تقبله بين ذراعيها، هي التي آمنت بكلمات الملاك وحفظت كل شيء في قلبها.

وبينما كانت تعانق ابنها الهامد، كانت مريم تكرّر مرّة أخرى الـ "نعم" التي قالتها. إنها مأساة الإيمان وتجربته. ما من مخلوق قد تألّم مثل مريم، الأُمّ التي ولدتنا جميعًا في الإيمان عند أقدام الصليب.

 

لقد كان يكرّر صلاة العالم

"أبّا، يا أبتِ، إن أمكن الأمر..."

غضن من الزيتون

يتأرجح فوق رأسه

على وقع رياح صامتة...

شوكة واحدة، لم تنزعها من إكليله.

وقد طُعن أيضًا الفكرُ في العلى،

حتى الفكر عجز عن عدم النزيف!

ولم تنزع له يدا واحدة

من على الخشبة:

لتسمح عن عينيه الدماء

فيتمكن من رؤية والدته هناك،

بمفردها...

حتى الأقوياء والأشداء والناس

حجبوا وجوههم لدى رؤيته

وهو يرفرف داخل غمامة:

داخل غمامة الهجر الإلهي.

وبعد ذلك،

أنت ونحن نعطيه الحياة!

(الأب تورولدو)

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

أشْرِكيني في نَحيبِك

حينما عُلِّقْ حَبيبِك

واجرَحي قَلبي الكئيب

 

المرحلة الرابعة عشرة

لنتأمل يسوع موضوعًا في القبر

الكاهن: نسجد لك أيها المسيح ونباركك

الشعب: لأنكَ بصليبِكَ المُقدس خلّصتَ العالم

 

من إنجيل ربنا يسوع المسيح بحسب القديس متى (۲۷،٥۹-٦۰)

فأَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر، ثُمَّ دَحَرجَ حَجَراً كبيراً على بابِ القبرِ وانصَرَف. وكانت هُناكَ مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى جالِسَتَينِ تُجاهَ القَبر.

 

فيما كان يوسف يغلق القبر، نزل يسوع إلى الجحيم وشرّع أبوابها.

إنّ ما تسمّيه الكنيسة الغربيّة "النزول إلى الجحيم"، تحتفل به الكنيسة الشرقيّة كـ "قيامة". هكذا تنقل الكنيستان الشقيقتان للإنسان ملء حقيقة هذا السرّ الفريد: "سأفتَحُ قُبورَكُم وأُصعِدُكُم مِنها يا شعبي، وأجعَلُ روحي فيكُم فتحيَونَ" (حز ۳۷، ۱۲.۱٤).

إن كنيستك يا رب تنشد كل صباح: "تلك رحمة من حنان إلهنا بها افتقدنا الشارق من العلى؛ ليُضيءَ لِلمقيمين في الظَّلمة وفي ظِلالِ الموتِ" (لو ۱، ۷۸- ۷۹).

إن الإنسان المعمي بأنوار لها لون الظلام، والمدفوع من قبل قوى الشر، قد دحرج حجرًا كبيرًا وحبسك في القبر. لكننا نعرف أنّك، الله المتواضع، في الصمت الذي وضعتك فيه حريّتنا، لا تزال تعمل أكثر من أي وقت مضى لتولد نعمة جديدة في الإنسان الذي تحبّه. أُدخل إذًا إلى قلوبنا: أَنعش شعلة محبّتك في قلب كل إنسان، وفي حشا كل عائلة ومسيرة كل شعب.

 

أيها المسيح يسوع!

جميعنا نسير نحو موتنا وقبرنا

إسمح لنا أن نقف بالروح

بالقرب من قبرك.

لتدخل قوّة الحياة

التي ظهرت فيه إلى قلوبنا.

ولتصبح هذه الحياة

النور لحجّنا على الأرض.

آمين

(القديس يوحنا بولس الثاني)

 

الجميع:

أبانا الذي في السماوات:

ليتقدس اسمك؛ ليأت ملكوتك؛

لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض

أعطنا خبزنا كفاف يومنا؛

واغفر لنا خطايانا؛

كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا؛

ولا تدخلنا في التجارب؛

لكن نجنا من الشرير. آمين.

 

إذْ يموتُ الجِسمُ منّي

بلِّغي نَفْسي التَّمنّي

مجْدَ فادينا الحَبيبْ