Index   Back Top Print

[ AR  - DE  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

عظة قداسة البابا فرنسيس

خلال القداس الإلهي

بمناسبة يوبيل السجناء

الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016

ساحة القديس بطرس

[Multimedia]


 

الرسالة التي تودّ أن تعطينا إياها كلمة الله اليوم هي بالتأكيد الرجاء، ذاك الرجاء الذي لا يخيّب.

يقول أحَدُ الإخوةِ السبعة المحكوم عليهم بالموت من قِبَلِ الملك أَنْطِيوخُسَ إِبيفانِيوسَ: "يَرجُوَ أَن يُقيمَه الله" (2 مك 7، 14). وتُظهِر هذه الكلمات إيمانَ هؤلاء الشهداء الذين، وبالرغم من الآلام والتعذيب، كانت لديهم القوة لأن ينظروا أبعد من الواقع. إيمانٌ يبيّن الرغبة في بلوغ حياة جديدة، ويعترف في الوقت عينه أن الله هو مصدر كل رجاء.

بالطريقة عينها، لقد سمعنا في الإنجيل كيف أن يسوع ألغى، بإجابة بسيطة إنما مثالية، الحالة التافهة التي قدّمها له الصدّوقيون. وتُظهِرُ عبارتُه: "ما كانَ إلهَ أَموات، بل إِلهُ أَحياء، فهُم جَميعًا عِندَه أَحْياء" (لو 20، 38)، وجهَ الآب الحقيقي الذي يرغب فقط بأن يحيا جميعُ أبنائه. وما يجب أن نتبنّاه لأنفسنا بالتالي، هو الرجاء ببدء حياة جديدة كي نكون أمناء لتعليم يسوع.

إن الرجاء هو هبة من الله. علينا أن نطلبها. وقد وُضِع في أعماق قلب كل شخص كيما يضيء بنوره الحاضرَ الذي غالبًا ما يكون خافقًا ومظلمًا بفعل الكثير من الأوضاع التي تولّد الحزن والألم. نحن بحاجة إلى تقوية جذور رجائنا باستمرار، كي تستطيع أن تثمر. أولا، اليقين بحضور الله وبتضامنه معنا، بالرغم من الشر الذي اقترفناه. فلا يوجد مكان من قلبنا لا يمكن لمحبة الله ألا تصل إليه. وحيث يوجد شخص قد أخطأ، فهناك تحضرُ رحمةُ الآب، وبشكل أقوى، كي تولّد التوبةَ والمغفرة والمصالحة، والسلام.

نحتفل اليوم بيوبيل الرحمة لكم ومعكم، أيها الإخوة والأخوات السجناء. ونشعر بأنه يجب علينا أن نتواجه بعبارة محبة الله هذه، الرحمة. بالطبع، كان الحكم مستحقا بسبب عدم احترام القانون؛ غير أن الحرمان من الحرية هو الشكل الأصعب للعقاب الذي نقضيه، لأنه يمسّ الشخص في جوهره الأعمق. وبعد، فلا يمكن للرجاء أن يغيب. في الواقع، إن ما نستحقّه بفعل الشرّ الذي صنعناه، هو أمر؛ وأمر آخر، هو "نَفَسُ" الرجاء، الذي لا يمكن خنقه من قِبَلِ أيّ شيء أو أيّ شخص. فقلبنا يترجّى الخير على الدوام؛ وندين بهذا إلى الرحمة التي يأتي بها الله للقائنا دون أن يتخلّى عنا أبدًا (را. أغسطينوس، عظة 254، 1).

يتكلم بولس الرسول في رسالته إلى أهل روما عن الله "كإله الرجاء" (روم 15، 13). كما لو أنه أراد أن يقول لنا أيضًا بأن الله يرجو؛ حتى وإن بدا الأمر وكأنه تناقض، لكنه صحيح: الله يرجو! فرحمته لا تدعه بسلام. إنه مثل ذلك الآب في المثل، الذي يرجو دومًا عودة الابن الذي أخطأ (را. لو 15، 11- 32). ما من هدنة لله ولا راحة، إلى أن يجد الخروف الضال (را. لو 15، 5). إن الله يرجو إذا، فلا يمكن أن ننزع الرجاء من أحد، لأن الرجاء هو القوة التي تدفع للأمام؛ والتوق للمستقبل الذي يغيّر الحياة؛ والدفعة نحو الغد، كي تصبح المحبّة، التي ننالها رغم كلّ شيء، مسيرة جديدة... باختصار، إن الرجاء هو الاختبار الداخلي لقوة رحمة الله، التي تتطلّب أن ننظر إلى الأمام وأن نتغلّب على الميل للشر والخطيئة، بالإيمان وبتسليم ذاتنا به.

أيها المساجين الأحباء، إنه يوم يوبيلكم! ليتأجّج رجاؤكم اليوم أمام الرب. فاليوبيل، بحكم طبيعته، يحمل التحرير (را. أح 25، 39- 46). ليس باستطاعتي أن أمنحه لكم، ولكن واجب الكنيسة الذي لا تستطيع أن تتخلّى عنه هو أن تولّد في كلّ منكم الرغبة بالحرية الحقيقية. هناك أحيانًا نوع من النفاق الذي يدفع المرء إلى أن يرى فيكم فقط أشخاصًا اقترفوا أخطاء سبيلها الوحيد هو السجن. أقول لكم: كل مرة أدخل فيها السجن أسأل نفسي: "لما هم وليس أنا؟". بإمكاننا جميعا أن نخطأ: جميعنا. لقد أخطأنا بطريقة أو بأخرى. لكن النفاق لا يجعلنا نفكّر بإمكانية تغيير الحياة، هناك ثقة ضئيلة بإعادة التأهيل، بإعادة الانخراط بالمجتمع. ولكننا بهذه الطريقة ننسى أننا كلّنا خطاة وغالبًا ما نكون سجناء دون أن ندرك ذلك. عندما نبقى منغلقين في أحكامنا المسبقة، أو عندما نكون عبيدًا لإله الرفاهية الكاذبة المزيّف، أو حين نسجن أنفسنا في برامج ايديولوجية، أو نعطي الحكم المطلق لقوانين السوق التي تسحق الناس، فنحن في الواقع نبقى بين الجدران الضيقة لخليّة الفرديّة وللاكتفاء الذاتي، محرومين من الحقيقة التي تولّد الحرية. والإشارة بأصابع الاتهام إلى شخص قد أخطأ لا يمكن أن يصبح الذريعة لإخفاء التناقضات الشخصية.

نحن نعلم في الواقع أنه ما من أحد يقدر أن يعتبر نفسه بارًا أمام الله (را. روم 2، 1- 11). ولكن ما من أحد يقدر أن يحيا دون اليقين بأنه سوف ينال المغفرة! اللص التائب الذي صُلِبَ مع يسوع قد رافقه إلى الفردوس (را. لو 23، 43). لذا، لا يجب على أيّ منكم أن ينغلق في الماضي! لا يمكننا بالتأكيد أن نعيد كتابة قصة الماضي، حتى ولو أردنا. لكن القصة التي تبدأ اليوم، والتي تتعلق بالمستقبل، يجب كتابتها بأكملها، بنعمة الله وبمسؤوليتكم الشخصية. من الممكن بدء فصل جديد من الحياة بفضل التعلّم من أخطاء الماضي. لا نقعنّ في تجربة الظن بأننا لن ننال الغفران. إن وَبَّخَنا قَلبُنا على أي شيء، أصغير كان أم كبير، "فإِنَّ اللهَ أَكبَرُ مِن قَلْبِنا" (1 يو 3، 20): علينا فقط أن نعهد بأنفسنا إلى رحمته.

باستطاعة الإيمان، ولو كان صغيرًا كحبّة الخردل، أن ينقل الجبال (را. متى 17، 20). كم من مرة سمحت قوةُ الإيمان أن تُلفَظ كلمة غفران في ظروفٍ غير معقولة إنسانيا! أشخاصٌ عانوا من العنف أو تمّ الاعتداء عليهم أو على ذويهم أو ممتلكاتهم... وحدها قوّة الله، والرحمة، تقدر أن تشفي بعض الجراح. وحيث يتمّ الإجابة على العنف بالمغفرة، يقدر قلب الذي أخطأ أن يستسلم للمحبة التي تهزم كلّ نوع من الشر. ويخلق الله هكذا، بين الضحايا والمذنبين، شهودًا حقيقيّين وعمّال رحمة.

إننا نكرم العذراء مريم في هذا الشخص الذي يقدّمها كأم تحمل يسوع على ذراعيها ومعه سلسلة مكسورة، سلسلة العبودية والسجن. لتعطف بنظرها الوالدي على كلّ منكم؛ ولتجعل قوّة الرجاء تتدفق من قلبكم، رجاء بحياة جديدة تستحقّ أن تُعاش في ملء الحرية وفي خدمة القريب. 

 

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2016

 


Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana